ابداع - اعتاد الكثير منا حين يرى إبداع التكنولوجيا المستمر والمتجدد دائماً أن أول ما يفعله هو الانبهار والإحساس بأن مخترع هذا الجهاز شخص يشبه صاحب الصورة التي في رأس الموضوع ، ذو عقل معقد التركيب أو أنه ذو جينات خاصة به لا توجد إلا في أمثاله من العباقرة الذين يقومون بتطوير مثل هذة التقنيات المبهرة. ولكن القليل منا حاول الوصول بخياله إلى الطريقة التي وصل بها هؤلاء العباقرة إلى ماهم فيه وقليل منا سأل نفسه هل يمكن أن أكون مبدع وما الذي ينقصني حتى أصبح مبدعا مثلهم !!
لنحاول سوياً جمع النقاط المشتركة في كثير من العباقرة والمبدعين لنحاول معرفة هذة العوامل التي كانت السبب فيما وصلوا إليه .



1) الحاجة أم الاختراع:

(لابد أن يكون هناك دافع قوي وراء ما تفعل وإلا فلن تتقدم أبدا)

لنرجع بالزمان قليلا لنشاهد سويا الفترة التي نشأ فيها أحد أعظم الاختراعات التي أفادت البشرية حتى الآن وشاهدنا المخترع الشهير توماس أديسون ووالدته تحتاج إلى عملية جراحية عاجلة إلا أن الطبيب لم يستطع أداء العملية لأن الوقت كان ليلا ولا يتوافر الضوء الكافي مما اضطر الطبيب إلى تأجيل العملية للنهار حتى يستطيع أداء العملية. ربما تعرض الكثير منا لمواقف مثل هذة حين يشعر أن هناك عائق يمنعه أن يفعل ما يريد ولكن الفارق الكبير هو أن منا من يكون هذا الإحساس دافعا له للإحباط واليأس والبعض الأخر لا يكون هذا الإحساس إلا شرارة تدفعه لأن يتحدى هذا العائق فأي نوع كان أديسون ؟! ببساطة كان رد أديسون على هذا العائق هو اختراع المصباح الكهربائي عام 1878م !!! وأود التنبيه أنه لا يشترط أن يكون هذا الدافع مادي فبعض الناس قد يكون الدافع عندهم فقط مجرد التحدي أو إثبات قدرته على الإبداع .

2) الإصرار والعزيمة والثقة في أن الله منحك الأسباب التي تعينك على الإبداع

( وما نيل المطالب بالتمني )

بالطبع قد يقول البعض واااو هل هذا كل شيء فقط كل ما علي هو وجود دافع قوي ثم أقوم بعمل اختراع جديد !! ولكن الرد سيكون مقولة كان يقولها أديسون وهي “1 بالمائة إلهام و99 بالمائة عرق وجهد” قد يكون هذا الجزء هو الجانب المتعب الأكبر في عملية الإبداع .. ولكن لا عجب أنه قد توافر في أديسون حين نعلم أنه قد خاض أكثر من 900 محاولة للوصول إلى اختراعه . بالنسبة إلينا قد نسمي هذا المحاولات فاشلة ولكن بالنسبة لأديسون لم تكن كذلك ولكنه كان يقول في كل محاولة “عظيم لقد أثبتنا أن هذة الطريقة لا تؤدي إلى الاختراع الذي نتمناه” . حاول دائما طالما كنت مقتنع بأنك تمتلك الأسباب التي تؤهلك للوصول ألا تستمع إلى الأقوال المحبطة من حولك إلا إذا كانت نصائح للتوجيه من شخص تثق في علمه خصوصا حين تعلم أنه حين ذهب أديسون وهو صغير إلى المدرسة لأول مرة أرجعه مدرسه إلى أمه بعد ثلاثة أشهر ومعه خطاب يخبرها فيه أن ابنها غبي ولا أمل في تعليمه.
تعمدت أن أبدأ بالعوامل رقم 1 و 2 (الدافع والعزيمة) قبل هذا العاملان الباقيان لأنهما شرطان لا بد منها حتى تستطيع أن تستعمل العوامل المتوفرة لديك للإبداع.

3) المعرفة أو الاستعداد لطلب المعرفة الموثوقة المصدر المتعلقة بالأمر المطلوب

(ابدأ من حيث انتهى الآخرون)

قد يكون هذا العامل هو أكثر عامل متاح للجميع خصوصا في عصرنا هذا فما أسهل وأكثر الطرق والمراجع والكتب الموجودة الآن سواء على الانترنت أو في المكتبات. فلا يمكن شخص عاقل أبدا أن يقول سأبدا من الصفر وأحاول اختراع الموتور من جديد ولكن لابد أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون حتى توفر الوقت وتصنع شيء جديد. ولكن ينبغي أن أنوه على أمر هام وهو أن المعرفة المطلوبة ليست بالضرورة أن تكون المعرفة المطلقة ولكن على الأقل يمكن أن تكون المعرفة المتعلقة بالأمر المطلوب إنجازه بل حتى يمكن أن تكتسبها بعد الحاجة إلى معرفتها .

4) العامل المميز للشخصية المبدعة

(التفكير خارج الصندوق!!)

بالطبع لم يكن أديسون هو أول من احتاج بشدة إلى مصدر ضوئي يستنير به ليلا وأيضا ليس بالضرورة أن يكون هو أول شخص عنده علم في الكهرباء حاول أن يصنع مصدر ضوئي ليلا ولكن قد يكون هو أول من حاول أن يبحث بطريقة (غير عادية) عن مصدر ضوئي (غير عادي) بالإضافة بالطبع إلى (الدافع والعزيمة والمعرفة المتعلقة بالموضوع) وهنا سنوضح العامل المميز للعباقرة والمخترعين وقبلها لا بد أن نعرف ما هو تعريف الإبداع :
ببساطة الإبداع : هو (عمل شيء جديد مفيد) ليس بالضرورة شيء جديد كليا ولكن على الأقل التجديد في شيء موجود فعليا .
بعد أن تعرفنا على تعريف الإبداع يبقى السؤال الأهم في هذا الموضوع : كيف أكون مبدع ؟!!
ببساطة الرد على هذا السؤال عبر عنه العلماء الذين فكروا في الإبداع بجملة بسيطة باللغة الانجليزية وهي “Thinking outside the Box” أي التفكير خارج الصندوق ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ما هو الصندوق المقصود هنا ؟؟ لكي نتخيل الصندوق المقصود قام أحدهم بعمل فيديو بسيط لدينا عرض فيه مشكلة وطلب حلها والفيديو أوضح الحلول المفترض لأي شخص التفكير فيها بالطرق العادية وفي النهاية وضح كيفية حل المشكلة عن طريق التفكير خارج الصندوق.
المشكلة المطروحة :
هي أن لدينا 9 نقاط مرتبة كما بالصورة التالية:

المطلوب منك هو توصيل هذة النقاط التسع ببعضها البعض باستخدام القلم بواسطة 4 خطوط فقط مستقيمة مع مراعاة عدم رفع القلم تماما حتى الانتهاء وعدم الرجوع بالقلم على الخط المرسوم مسبقا.
بعد أن تحاول استخدام الطرق البديهية للوصول لحل المشكلة شاهد الفيديو لترى الحل الذي قام به صاحب الفيديو ( الفيديو في اخر المقال ).

هل فهمت الآن ما معنى جملة التفكير خارج الصندوق ؟ إذا لم تكن قد فهمت المقصود دعني أسألك لماذا لم تفكر بنفس الطريقة التي فكر بها صاحب الفيديو ! أظن أن إجابتك سوف تكون أنني لم أتخيل أنه يمكنني الخروج بالخط خارج حدود النقاط وهنا يكمن السر أنه تكون لديك اعتقاد خاطيء بأنه لا يمكنك الخروج عن حدود النقاط ربما لأنك اعتدت أن الألعاب المشابهة لهذا اللغز ممنوع فيها الخروج عن حدود النقاط على الرغم من أن شروط هذا اللغز لم تنص على عدم الخروج عن حدود النقاط .وبذلك أظنك فهمت المعنى االمقصود بالصندوق. أسلوب غريب في التفكير لم نعتد عليه أليس كذلك ؟ ربما لهذا السبب سموه بالصندوق فما كلمة الصندوق إلا تعبير عن أننا دوما حين نفكر في حل مشكلة نفكر بالطرق المعتادة التي يفكر بها الجميع أو التي اعتدنا رؤيتها في حل المشاكل المشابهة ولا نطلق لعقولنا العنان لتحاول افتراض أي حلول ممكنة دون الارتباط بالحلول البديهية التي نعرفها مسبقا فقط

إذا وجدت هذا الأسلوب صعبا في التفكير فلا ألومك فللأسف لم نعتمد على هذا الأسلوب في تعليمنا العربي كثيرا ولكن يمكنك أن تدرب نفسك على استخدام مثل هذا الأسلوب وإليك بعض النصائح :


1) حاول دائما أن تحلل المشكلة إلى عناصر بسيطة ثم تستخلص أسباب المشكلة من هذة العناصر ثم تطرح كل الحلول التي تخطر في ذهنك لحل كل سبب من أسباب المشكلة على حدة ولا تستبعد أي فكرة يمكن أن تخطر في بالك إلا بعد أن تثبت لنفسك أنها غير صحيحة . ثم قم بالنظر إلى كل فكرة من حيث إمكانية تنفيذها وإيجابياتها وسلبياتها ثم في النهاية تختار أفضل فكرة يمكن تنفيذها .

2) حاول أن تدرب نفسك دوما على التفكير في أسباب وكيفية عمل كل الأشياء التي حولك ، مثلا: يمكنك أن تنظر إلى الأدوات التي تستخدمها يوميا في حياتك وتسأل نفسك عن فائدة كل جزء فيها ولماذا صنع بهذا الشكل تحديدا وماذا سيحدث لو أنه تم تصنيعه بشكل آخر. سينتهي الأمر بك حتما إلى أحد أمرين : إما أن تكون قد توصلت إلى فكرة عمل هذا الشيء بنفسك وتكون بذلك قد أثبت أنك قادر على الإبداع أو على الأقل لو فشلت في الوصول للفكرة بنفسك فأعتقد أنه بعد محاولة التفكير لن يتركك الفضول حتى تبحث عن فكرة عمل هذا الشيء وتعرفها وحينها ستعرف ماهو السبب في عدم وصولك إلى الفكرة بنفسك إما خلل في طريقة التفكير نفسها أو أن هناك طريقة جديدة عرفتها لم تفكر بها وبذلك ستكون قد اكتسبت طريقة جديدة في التفكير يمكن أن تفيدك في حل المشاكل التي تواجهك في المستقبل.

3) حاول أن تعتاد دائما على أن تسأل نفسك “لماذا؟”. على سيبل المثال حين تأتي لتنام اسأل نفسك لماذا تنام ؟ حتى لا أرهق جسدي . لماذا ؟ حتى أستطيع الذهاب للعمل غدا بنشاط. لماذا ؟ حتى لا أرتكب مشاكل ناتجة عن قلة التركيز وهكذا. ومعروف عادة أن الأطفال الذي يسألون “لماذا” بكثرة يكون مستقبلهم العلمي عظيم لأنهم بهذة الطريقة سيتعتمدون في قناعاتهم على الأسباب وليس على ما يفعله الناس وهذا أكبر عامل يساعد على التفكير خارج الصندوق.
4) حاول أن تعود نفسك على كسر الروتين لتعتاد نفسك على التجديد في التفكير مثلا يمكنك تغيير نظام حجرتك كل فترة وليس بالضرورة أن يكون مكان العمل محتويا فقط على الأدوات المطلوبة للعمل بل لا مانع من وضع بعض الأغراض الأخرى في مكان العمل التي تضيف جو يكسر الملل ويشجع على الإبداع وأفضل مثال على ذلك شركة جوجل ومكان العمل الخاص بها.

5) حاول أن تخصص ورقة أو ملف على الكمبيوتر لكتابة أي فكرة تخطر ببالك فهذة الأفكار الصغيرة يمكن أن لا تعود إليك مرة أخرى .


6) حاول تخصيص وقت لتصفية الذهن والاستمتاع بالتفكير والتدبر في ما حولك من المناظر الطبيعية الخلابة والسماء فإن هذا يقلل من ارتباطك اللاإرادي بالأفكار الروتينية التي تحيط بك ويعطي ذهنك حرية أكبر تتيح لك التفكير بطرق جديدة لم تفكر بها من قبل .
7) حاول أيضا قدر الإمكان المواظبة على قدر من التمارين الذهنية والألغاز حتى لا يصاب عقلك بالصدأ من قلة التفكير مما يقلل الإبداع .
قد يتساءل البعض حين يرى هذا المثال عن الإبداع ويقول ما علاقة هذا اللغز بالإبداعات والاختراعات التي تتحدث عنها وهنا سأطرح لك مثالان بسيطان لأثبت لكم شيئين الأول هو أهمية التفكير خارج الصندوق والآخر هو أنه ليس بالضرورة وجود الإمكانيات الكبيرة ورأس المال الكبير لحدوث الإبداع :

مثال 1 : الكتابة في الفضاء :
بينما كانت شركة ناسا تجهز لأحد رحلاتها إلى الفضاء واجهتهم مشكلة وهي أن رواد الفضاء لن يستطيعوا الكتابة بواسطة الأقلام بسب انعدام الجاذبية مما سيسبب عدم سقوط الحبر على الورقة لأن سقوطه معتمد على الجاذبية
فماذا فعلوا ؟؟
: قاموا بدراسات استغرقت حوالي 10 سنوات وتكلفت أكثر من 12 مليون دولار ليطوروا قلما يستطيع الكتابة في الفضاء بدون الارتباط بالجاذبية.


بينما !! : حينما واجه الروس نفس المشكلة استخدموا القلم الرصاص !!! لو نظرنا نفس النظرة السابقة سنجد أن وكالة ناسا وضعت لنفسها قيدا بدون الانتباه وهو اشتراط أن يكون القلم يعتمد على الحبر وهذا القيد هو (الصندوق) بينما الروس قاموا بالتفكير خارج الصندوق وحينما وجدوا أن فكرة الحبر غير مجدية بحثوا عن قلم بدون حبر.

مثال 2 : مشكلة الصناديق الفارغة :
في أحد مصانع الصابون في اليابان واجهتهم مشكلة وهي أن بعض صناديق الصابون يتم إغلاقها دون تعليبها بالصابون نظرا لخطأ في عملية التعليب مما يؤدي إلى استلام بعض الصناديق الفارغة
فماذا فعلوا ؟؟ : قاموا بوضع جهاز يعمل بالأشعة السينية أمام خط خروج الصناديق وخصصوا موظفان مسؤولان عن مراقبة ما بداخل الصناديق بهذا الجهاز حتى يعلموا الصناديق الفارغة.
بينما !! : حين تعرض مصنع أصغر لهذة المشكلة قام بوضع مروحة كبيرة عند خط خروج الصناديق وضبطوا قوتها بحيث تستطيع إزاحة الصناديق الفارغة فقط من على خط التسليم بينما لا تستطيع إزاحة الصناديق المعلبة !!

الإبداع يحل كثير من مشكلات الحياة أليس كذلك :) 

لو راجعتم كل المشاهد التي ارتبطت بالإبداع في عالمنا أعتقد أنه بنسبة كبيرة جدا إن لم تكن 100% ستكون قد توافرت فيها العوامل التي ذكرتها أو على الأقل بعضها.
إلى هنا أكون قد أكملت لكم باختصار شديد فكرة الإبداع وكيفية الوصول إليه وأتمنى من كل قاريء ألا يأخذ الموضوع على سبيل التسلية والمتعة فقط وأن يحاول تطبيق هذا التفكير على كل المشكلات التي تواجهه في حياته حتى لو وجده صعبا في البداية فمع الوقت سيصبح الأمر إن شاء الله سهلا وحاول أن تتذكر العوامل الأربعة التي ذكرناها دوما : الدافع – الإصرار – المعرفة – التفكير خارج الصندوق .



0 التعليقات:

إرسال تعليق